أحلام الثلاثين
أحلام الثلاثين (قصة قصيرة)
كيف سأخبر نفسي أني بلغت الثلاثين من عمري ؟بل كيف سأخبر الآخرين أنه رقم لا يعنيني في شيء ؟أعلم جيدا أنهم سيعلنون حالة الطوارئ في منزلنا منذ الساعة ؛ أن تصل فتاة لسن الثلاثين في أسرتي وهي دون زواج ولا أطفال تحمل أحدهم وتجر آخر وثالث في بطنها ؛أبدا لن يكون ذلك بالأمر الهين عليهم ؛وحتما لن يمر هذا اليوم مرور الكرام ؛ أعلم أيضا أنه لن يعود لي الحق لأفرح بيوم مولدي ولا أن أنتظر قدومه كالعادة لتحضر لي أمي كعكة الميلاد كما دأبت طوال السنوات الماضية ....
هاهي تنظر إلي نظرة شفقة كأنني أصبت في حادث فقدت معه عضوا من أعضائي الحيوية ؛ نظرات باقي الأسرة هي أيضا لم تعد مريحة عند زيارتنا ؛جدتي وهي تطلب مني أن أبدو فتاة مطيعة حين أرافق أمي للسوق أو لحمام الحي ؛ حتى يتشجع بعض الأمهات من صديقاتها ويخطببني لأبنائهم .
عمتي وهي تدعو لي بأن يفك الله ضائقتي كلما رأتني لكأنني أعيش أزمة مالية حادة ومهددة بالإفلاس ...
خالتي وهي تنصح أمي بأن تتأكد إن لم يكن أصابني مس أو تعرضت لسحر عن طريق الخطأ أو مقصودا فالحاسدون لأسرتنا كثر وظلت تعدد لها أمثلة من عائلتنا الكبيرة من تعرضن للسحر لم ينفع معه سوى اللجوء لفقيه مختص بفكه هي تعرف شخصا يهتم بذلك وبجلب القبول للعانسات أمثالي...
لقد أصبحت من مدة حديث نساء الأسرة ؛ يذهبن عنهم الملل بالحديث عن مأساتي ويتفنن في إيجاد الحلول وابتكار الخطط لمواجهة هذا المشكل العويص الذي تعيشه أمي وقد أصبحت إحدى بناتها عانسا والأخريات في طريق العنوسة إن لم يزح هذا الجدار الذي أمثله والذي سيقف حجر عثرة أمام مستقبل أخواتي الثلاث بعدي ....
أما عني فقد أحسست بالاختناق لحد التخمة من كل ما يجري حولي ؛ حريتي في أن أختار شريكا لحياتي تتعرض للضغط إن لم أتزوج هذه السنة ؛سيرغمونني على قبول من يختارونه لي هكذا أعلن الاجتماع العام الذي حضره جل أفراد العائلة نساءها ورجالها واتفق حوله جميع الأطراف ....
وجدت نفسي محصورة بين قرارهم وبين اختياري الذي يتعرض للتهديد إن انتهت المهلة ولم أجد العريس المنتظر ...
ماذا عساي أن أفعل ؟ هل أعرض نفسي على الرجال حولي ؟ للحظة وقفت أستعرض المحيطين بي من الجنس الآخر ..
سمير زميلي في العمل مرح ويروق لي ؛ لكنه مرتبط لقد أخبرني بذلك حين رآني أنظر إليه أحيانا خلسة ؛تعمد أن يحدث خطيبته على الهاتف بصوت مرتفع ليلفت نظري لارتباطه ؛ خالد ابن الجيران لم يمل قط من التحرش بي ؛ لكنه مستهتر ويفعل ذلك مع زميلاتي أيضا كلما زرنني ؛ أحمد ربما ينفع أن يكون زوجا إن استعصى علي إيجاد زوج لي أحمد ابن خالي خجول جدا ولا يكلم أحدا ونادرا ما يزورنا وإن زرناهم في بيتهم يختفي وراء حاسوبه لا يلتفت لأحد حتى وإن سقط المنزل على رأسه لن ينهض من مكانه....
من بقي لي من المحيطين بي لأخضعه للتحليل والتمحيص حتى يكون زوجي المستقبلي ؟
تعبت من التفكير في مشكلتي وانتهى بي المطاف أن سلمت أمري لله وإن يكن سأقبل بما سيعرضونه علي
في الغد أعلنت لأمي قراري و بأنني طوع أمرهم وسأقبل بما سيعرضونه علي من عرسان ؛ بدت لي الفكرة لطيفة وأنا أقبل بها تخيلت نفسي وأنا جالسة على عرش منصع بالذهب وعلى الباب صف من الرجال ينتظرون دورهم لأتفحصهم وأختار منهم من سيروق لي سأختاره وسيما وذكيا ومرحا بالطبع ولربما أخضعهم جميعا لمسابقة ؛ والمنتصر هو من سيفوز بي ...
استيقظت من أفكاري على صوت أمي بوجه بشوش تخبرني أن أختي الصغرى سيخطبها أحدهم هذا الأسبوع وعلينا أن نحضر المنزل ونفسنا للمناسبة ...
رنة الهاتف لم تتوقف وهي تحكي مع خالتي وعمتي وجدتي حول ما ستقدمه للضيوف....
في لمح البصر تحول الجميع عني ولم أعد تلك الفتاة العانس التي ترهق الأسرة ؛ لقد دخل السعد منزلنا وانهار جدار العنوسة الذي بنيته ؛ ومن يدري لعل في بقائي بدون زواج عزاء لوالدتي حتى لا تظل وحيدة وهي التي مات عنها أبي وتركها مع اربع بنات ؛ هكذا حدثتها خالتي وهي تتذوق حلوى كعب غزال الذي اجتمع عليه نساء الأسرة لتحضيره لحفل خطوبة أختي ...
نظرت في وجوههن جميعا وتنفست الصعداء ؛ أحسست لحظتها بحمل ثقيل وقد انزاح عني ؛ بحرية أن أكون فتاة عزباء في الثلاثينات ....
تمت
ليست هناك تعليقات: