منانة

منانة
  (قصة قصيرة)

" ‏نحن نقتل الجميع يا عزيزي.. البعض بالرصاص ، والبعض بالكلمات ، والجميع بأفعالنا . نحن نقود الناس إلى قبورهم ، من دون أن نرى ذلك أو نشعر به حتى " 
-مكسيم غوركي

لماذا تكون البدايات دائما الأجمل  والنهايات أقسى   ؟ألأنهم  في البدايات يتعاملون معنا بأقنعتهم وفي النهايات يتعاملون معنا بوجوههم الحقيقية فتكون بذلك  الأصدق  ؛ ترتدي الأيام خلالها بياضا مبطنا بليالي سوداء  ....
وهل  يمكن أن يتحول مسار نهاية لبداية  ؟ أيهما سيصبح أقسى حينها وأيهما الأجمل ؟؟ حين تتشابك دورة الحياة  وتلتف بك  كشجرة ملتفة بأغصانها  تستمد البقاء منك كما تستمده منها...
كانت البداية أن يكون زواجا مشتركا أختين تزوجتا من أخين فتكون الفرحة فرحتين يشتركان الحب والحياة والمستقبل والأحلام ؛  حيث تقرر أن تظلا   الأسرتين مجتمعتين تحت سقف واحد ليواجها الحياة الصعبة في المدينة بعدما هاجرا معا البادية طمعا في عيش أفضل وليلتحق أبناؤهما المستقبليين بالمدارس بعدما تعذر عليهم هم نفسهم   أن يواصلوا تعليمهم  ...
 أحد الأخوين  علي واختص في بيع الخضر والآخر عمر اختار أن يتاجر في الملابس القديمة المهربة من الثغور المحتلة سبتة ومليلية وكلاهما يفترش الأرض لبيع منتوجاتهما في أحد أسواق المدينة العتيقة..... 
تمضي الأيام بهما معا ويرزق عمر بالأطفال  ؛بينما أخوه علي غابت البسمة عن عش بيت الزوجية ...
كلما دخل غرفته  ووجد زوجته تنتظر عودته لوحدها ؛ ينظر إليها نظرة عتاب ولوم   لأنها لم تتمكن من أن  تنجب له طوال هاته السنوات  ؛ورغم أنها طلبت منه مرارا وتكرارا أن يستشيرا طبيبا مختصا لمعرفة سبب تأخر أو عدم قدرة إنجابهما ؛لكنه كان يرفض ذلك ويتهمها بأنها السبب فأخوه قد أنجب أربعة أطفال وليس في أسرتهم أحدا يعرفه تزوج ولم ينجب بعد .....
عاشت منانة وهذا اسمها معه لأكثر من عشرين سنة تخدمه بكل إخلاص ؛ مع إحساس بالذنب لأنها لم تستطع أن تسعد زوجها وتنجب له طفلا يؤنس وحدتهما  وتحمد الأقدار أنها ارتبطت به ليتقبل عيبها طوال هاته السنوات ...
وبتفانيها وحسن تدبيرها تمكن من اقتناء منزل كبير وتوسع مشروعه  وأصبح يملك متجرا كبيرا للمواد الاستهلاكية ؛ كانت تراقب خطواته بكل ثقة وتساهم في نجاحاته بكل ما تملك من عزم وصبر ؛ وتداري في صمت  تعاليه وتأففه وتذمره الذي أصبح يتفاقم مع مرور الأيام والسنين ؛  إلى أن أتى اليوم الذي كانت تخشاه بشدة حين أعلن لها أنه يفكر في طلاقها بعد مرور أربعة وعشرين سنة على زواجهما ...
 لا تعرف أحدا غيره ولم تفتح عينيها على رجل سواه ؛ فكيف لها أن تستمر في الحياة بدونه ؟ لقد كانت خطواتها بجانب خطواته ؛وإن كانت حياتهما اعتراها الجفاء والذبول لكنه شقاء تعودته  ؛أن تعتاد الألم كان  أفضل لها من مصير مجهول  ؛امرأة مطلقة بلا أطفال   بعد سن الأربعين كيف ستكون حياتها وهي  لا تتقن صنعة ولا عمل لها  ...
 بالأمس القريب كان لها بيت وزوج وحياة تعيشها بكل مافيها من نكد وانتظار ؛ حياة تعرف ما ينتظرها فيها....
 لن تقبل طلاقه مهما قال  ؛ ستحارب لتبقى وإن رفض ؛ لا تريد حياة غير هاته التي تعيشها  ؛جعلت الجميع يتدخل ليثنيه عن عزمه ؛ أخوه أختها أبناء العمومة  جيران الحي ؛ الجميع توسل إليه باسمها أن يتركها في عصمته ؛ يحق له أن يتزوج من أخرى ويبقيها هي لا ترفض أن تكون الزوجة القديمة  ؛ما يهمها ألا تواجه المجهول   ؛الخوف من قهر الانفصال لازمها طوال مدة إجراءات الطلاق حتى أمام القاضي الشرعي رفضت الطلاق  لكن القاضي أجابها بأنه لا يستطيع أن يجبر رجلا على عدم الطلاق ؛ستأخذ حقوقها كاملة من متعة ونفقة هذا كل ما يستطيع أن يضمنه لها وكان الزوج مستعدا لدفع كل مستحقاته و يطلقها  ؛فهو قد عقد العزم على الزواج من أخرى لديها طفلين أكيد ستنجب له ....
وتم الطلاق  وسط خوف منانة  كان يوما أسودا لم تكف فيه عن البكاء والتساءل عما سيحل بها ؛ وكيف ستواجه الناس والعائلة  والجيران ؛وكيف ستستطيع أن ترى زوجها الذي اعتادت رفقته وفتحت عينيها عليه  وهو يتأبط ذراع أخرى ويمر بجانب البيت مع طفلين مكونا أسرة سعيدة  ؛أما هي فلا أمل لها في زواج آخر ولا في الإنجاب ..
 أي مستقبل ذاك الذي ينتظرها وراء هاته الباب إن تجرأت وفتحتها ؟ لكن اختها لم تيأس من جعلها تخرج للعالم ؛ لقد انتهت عدتها ثلاثة أشهر وعليها الآن أن ترى الشمس تشرق خارج المنزل كل يوم لا تيأس من العودة لتنير كل ما حولها ....ثم من هذا الذي سيتذكر قصتها وما حدث لها ؛ الناس منشغلة أكثر بمآسيها هكذا أقنعتها اختها بالخروج في أحد الأيام 
ليلة الغد يطرق الباب رجل في الخمسينات يطلب لقاء رجل الأسرة تنظر الأختين لبعضهما يدخل الرجل وقد ارتدى بذلة راقية يبدو عليه أنه  وجيها وميسور الحال ؛ يخرج عمر ليبددا دهشتهما حين يعلمان أنه أتى ليخطب منانة ؛  زوجته توفيت من سنة وتركت له ابنا في السابعة من عمره وقد علم بطلاقها من أخته التي تسكن الحي نفسه وصدفة أرتها له الأمس  وهي تمر مع أختها في الشارع بجانبهما فأعجبته ويريد الزواج منها  لا ينقصه شيء فهو يملك ضيعة فلاحية كبيرة  في نواحي المدينة  ويعيش في يسر ؛ ولا يهمه إن كانت لا تنجب لديه ابن يعيش مع جدته لأمه ويريدها زوجة يستأنسان معا ؛ ليعيشا ما تبقى من حياتهما وافقت منانة  وتزوجا في ذلك الأسبوع  ....
مر على زواجها سبعة أشهر وفي زيارة لأختها التقت به هناك ؛ يزور أخاه نظر إليها بسرعة قبل أن يحط عينيه على بطنها وقد انتفخ فقد كانت حاملا من ستة أشهر ...
تمت

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.