انتظار أحلام
ماذا تعني لكل واحد منا كلمة انتظار ؟؟
هناك من سيريد بها أملا بائسا ؛ وهناك من سيعتبرها حلما مؤجلا أما آخر فسيجعلها فرصة ثانية لحصول معجزة تغير مجرى القدر ...
أما عنها فكانت مضطرة لأن تنتظر لسد فراغ قاتل ؛ لكن أن تنتظر وأنت تعلم أن انتظارك تافها ؛ ذاك ما حصل مع أحلام وهي في محطة القطار تنتظر قطارا لن تركب فيه ؛ وشخصا قد لايأتي ؛ وزمنا لعله ضاع منها ؛ أو لعله لم يحن بعد ....
تلج المحطة في الصباح الباكر وحيدة كعادتها ؛لطالما كانت الوحدة عباءة سوداء تلائم مقاسها تماما وسط هذا الجمع الغفير داخل المحطة ...
بائع السجائر وماسح الأحذية عند بابها ؛المتسولون يجوبونها ذهابا وإيابا؛ قطط المنطقة تتناوب التجول بها بكل نظام واحترام لمواعيد وصول وذهاب القطارات ....
الساعة الكبيرة وسط المحطة تكاد تختنق وهي تصارع الجدار الهرم الذي تتكئ عليه ؛ عقاربها تبتلع الوقت كل لحظة.
تجلس أحلام على حافة المقعد نفسه كل مرة ؛ تبدو قلقة وهي تنظر للساعة المثبتة بين الفينة والأخرى ؛ حتى ليحسب للرائي أنها على عجلة من أمرها ؛ في الواقع تلك حركة اعتادت عليها أيام الجامعة ؛حين كانت تستعجل الحافلة التي ستقلها لمنزلها ؛ لتتابع سلسلة الرسوم المتحركة كونان التي كانت تقدم يومها على شاشة التلفزة ؛ أدمنت مشاهدتها حتى لأنها تستطيع أن تترك محاضرة في القانون جد مهمة لتلحق الحلقة التي تبثها التلفزة ...تجلس مدة نصف ساعة مشدوهة تنقطع عن العالم الخارجي لبرهة من الزمن .
الآن وقد بلغت الثلاثين من عمرها وتخرجت من الكلية بعدما تنازلت عن رغبتها في الزواج لحين أن تنهي دراستها الجامعية لحقت بأفواج المعطلين ؛ وبكوكب العنوسة معا ؛ قبل أن تشتغل خياطة في مصنع للملابس بأجر زهيد لا يكفي حتى لسد وجباتها التي تتناولها بمطعم صغير بجانب المصنع ....
وفي يوم عطلتها الوحيد تختار أن تلج محطة القطار وتقضي يومها هناك ؛ تسليتها الوحيدة أن تراقب المسافرين يخرجون ويدخلون المحطة ؛ البعض يكون مسرعا وهو يسابق عقارب الساعة وآخرون يجرون حقائبهم ببطء كأن الزمان وراءهم ؛ تتفحص ملامحهم ؛ تعيش لحظاتهم الآنية تلك بأحلامها وإكراهاتها ؛ تبتسم لابتسامتهم وتقطب جبينها لعبوسهم ....
اعتاد عمال المحطة رؤيتها كل يوم أحد هناك من الساعة الثامنة صباحا إلى غروب الشمس ؛ ولا أحد تجرأ وسألها عن السبب ؛ في البداية كان حضورها وجبة دسمة للوشوشة بينهم ؛ لم يلبث أن فتر الاهتمام بذلك لينصب انتباههم لمواضيع أخرى أكثر أهمية ....
اليوم وهي تدلف للمحطة كعادتها كل أسبوع ؛ ثمة أمر غير عادي يجري هناك ؛ سيارات الإسعاف منتشرة في كل مكان ؛ والشرطة تنظم المرور الذي أصبح مستعصيا بالشارع الذي يؤدي إليها ؛ وحين سألت حارس المحطة عما يحصل أخبرها أن قطارا مسرعا اصطدم بآخر واقفا في المحطة ؛وأن هناك مصابين تنقلهم سيارات الإسعاف بسرعة لأقرب مستشفى ...
لفت نظرها في اللحظة ذاتها سيدة حامل تصرخ وهي تحاول أن توقف المسعفين وهم يحملون جثة رجل لا أثر للدماء على وجهه إلا أنه يبدو شاحبا ولا يتحرك ؛اقتربت أحلام منها تحاول أن تساعدها ؛ كانت السيدة تنتحب بصوت مرتفع وتقول:" أحمد زوجي حبيبي لا تمت "
نظرت إليه أحلام وتجمد الدم في عروقها ؛ تسمرت في مكانها ؛ كان هو خطيبها الذي تركها من عشر سنوات؛ ودعها في المحطة وضرب لها موعدا للقاء يومه الأحد المقبل ومن يومها وهي تنتظره كل أحد ....
تمت
ليست هناك تعليقات: